فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالْحَسَنُ: «الْمَلِكُ مَنْ لَهُ دَارٌ وَامْرَأَةٌ وَخَادِمٌ».
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: «هُوَ الَّذِي لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ تَكَلُّفِ الْأَعْمَالِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ لِلْمَعَاشِ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: جُعِلُوا مُلُوكًا بِالْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرِ وَالْغَمَامِ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: «بِالْأَمْوَالِ أَيْضًا».
وَقَالَ الْحَسَنُ: «إنَّمَا سَمَّاهُمْ مُلُوكًا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْفُسَهُمْ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ الْقِبْطِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَعْبِدُونَهُمْ».
وَقَالَ السُّدِّيُّ: «مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ».
وَقَالَ قَتَادَةُ: «كَانُوا أَوَّلَ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ». اهـ.

.قال في البحر المديد:

كل من رزقه الله من يأخذ بيده ومن يستعين به على ذكر ربه، فليذكر نعمة الله عليه، فقد أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة. وكل من ملك نفسه وهواه، وأغناه الله عما سواه، فهو ملك من الملوك. وكل من خرجت فكرته عن دائرة الأكوان، واتصل بفضاء الشهود والعيان، فقد آتاه الله ما لم يؤت أحدًا من العالمين. وقد كُنتُ ذات يوم جالسًا في الجامع الأعظم من مدينة تطوان، فانتبعت فإذا مصحف إلى جنبي، فقال لي الهاتف: انظر تجد مقامك، فأعرضت عنه، فأعاد عليَّ الهاتف ثلاث مرات، فرفعته، ونظرت، فإذا في أول الورقة: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين}، فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله عز وجل: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يأت أحدا من العالمين}.
وفى سورة إبراهيم: {وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنائكم ويستحيون نسائكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم} فافتتح قول موسى لقومه في سورة المائدة بندائهم ولم يقع نداؤهم في سورة إبراهيم فيسأل عن الموجب لذلك وعن وجه الفرق؟
والجواب عن ذلك: أنه لما اعتمد في آية المائدة تذكيرهم بضروب من الآلاء والنعم الجسام من جعل الأنبياء فيهم وجعلهم ملوكا وإعطائهم ما لم يعط غيرهم كا ذلك تعريفا باعتنائه سبحانه بهم وتفضيلهم على من عاصرهم وتقدمه من أمم الأنبياء قبلهم فناسب ذلك نداء موسى عليه السلام بقوله: {يا قوم} بالاضافة إلى ضميره إنباء بالقرب والمزية وناسب هذا النداء المنبئ بالاعتناء ما تقدم من تخصيصهم بما عقب به النادء من التشريف بما منحهم من الآلاء والنعم الجسام ولما قصد في آية سورة إبراهيم تذكيرهم بنجاتهم من آل فرعون وما كان يسومهم به من ذبح ذكور أبنائهم واستحياء نسائهم للمهنة ولم يذكر هنا شيء مما في آية المائدة لما اقتصر عليه هنا من التذكير بمجرد الإنجباء فناسب ذلك الاقتصار على خطابهم دون النداء رعيا للمناسبة والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ}.
كان الأمر لبني إسرائيل- على لسان نَبِيِّهم- بأن يتذكروا نعمة الله عليهم، وكان الأمر لهذه الأمة- بخطاب الله لا على لسان مخلوق- بأن يذكروه فقال: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وشتان بين من أمره بذكره سبحانه وبين من أمره بذكر نعمته! ثم جعل جزاءَهم ثوابَه الذي هو فضله، وجعل جزاء هذه الأمة خطابه الذي هو قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
قوله جلّ ذكره: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا}.
المَلِكُ مِنَ المخلوقين مَنْ عَبَدَ المَلِكَ الحقيقي.
ويقال المَلِكُ مَنْ مَلَكَ هواه، والعبد من هو في رِقِّ شهواته.
ويقال: {وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا}: لم يخرجكم إلى أمثالكم، ولم يحجبكم عن نفسه بأشغالهم، وسَهَّلَ إليه سبيلَكم في عموم أحوالِكم.
قوله جلّ ذكره: {وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ العَالَمِينَ}.
لئن آتي بني إسرائيل بمقتضى جوده فقد أغنى عن الإيتاء هذه الأمة فاستقلوا بوجوده، والاستقلال بوجوده أتمَّ من الاستغناء بمقتضى جوده. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ}.
وساعة تسمع {إذ} فاعلم أنها ظرفية تعني «حين» كأن الحق يقول: اذكر حين قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم. ويقول الحق لرسوله ذلك لأن هذا اللون من الذكر يعين الرسول صلى الله عليه وسلم على تحمل ما يتعرض له في أمر الدعوة والرسالة سواء من ملاحدة أو من أهل كتاب.
إن الحق حينما قال: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} أي اذكر يا محمد، أو أذكر يا من تتبع محمدًا، أو اذكر يا من تقرأ القرآن إذ قال موسى لقومه: يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم. ولا يقول موسى لقومه: {يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} إلا إذا كان قد رأى منهم عملًا لا يتناسب مع النعم التي أنعم الله يها عليهم، وذلك- ولله المثل الأعلى- كما يقول الواحد منا لولد عاق: اذكر ما فعله والدك معك. ولا يقولن الواحد منا ذلك إلا وقد بدرت من الابن بوادر لا تتناسب مع مقدمات النعم ومقدمات الفضل عليه. فكأن قوم موسى قد أرهقوه وتحمل منهم الكثير؛ لدرجة أنه قال لهم على سبيل الزجر ما قد يجعلهم يفيقون وينتبهون ويفطنون إلى ذكر نعمة الله عليهم، ومعنى ذكر النعمة هو الاستماع إلى منهج الله وتنفيذ أوامر الحق واجتناب النواهي.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} وعرفنا أن «النعمة» يقصد بها الجنس والمراد بها النعم كلها، أو كأن كل نعمة على انفرادها خليقة وجديرة أن تُذكر وتُشكر، والدليل على أن النعمة يراد بها كل النعم أن الله قال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
ومادام عدّ النعمة لا نستطيع معه أن نعرف إحصاءها؛ فهي نعم متعددة. إذن فالمراد بالنعمة كل النعم لأنها اسم جنس.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} وذكر النعمة يؤدي إلى شكر المنعم ويؤدي أيضًا إلى الاستحياء من أن نعصي من أنعم، ويجعلنا نستحي أن نأخذ نعمته لتكون معينا لنا على معصيته. {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} وهي نعم كثيرة تمتعوا بها، ألم يفلق الحقُ لهم البحرَ: {اضرب بِّعَصَاكَ البحر} [الشعراء: 63].
وبعد أن ضرب الماء بالعصا: {فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} [الشعراء: 63].
فقد صار الماء السائل جبالًا. وضرب لهم الحجر؛ بأمر الله فانفجرت منه المياه: {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة: 60].
إنها عجائب كثيرة تتجلى فيها قدرة الخالق الأعظم، وتبين القدرة مجالات تصرفها، فقد ضرب موسى البحر فصار كل فرق كالطود العظيم، وكأن الماء صار صخرًا. وضرب موسى الصخر فتفجرت المياه. إنها عجائب القدرة. ألم يظللكم بالغمام؟ ألم ينزل عليكم في التيه المن والسلوى؟ وكل هذه النعم ألا تستحق الذكر لله والشكر لله والاستحياء من أن تعصوه أو أن ترهقوا الرسول الذي جاء لهدايتكم؟
إن كل هذه النعم تستحق الشكر، والشكر ذكر.
{اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} وكلما أدركتهم غفلة فإن الحق يرسل لهم نبيًا كأسوة سلوكية. ولم يغضب عليهم ولم يقل: أرسلت لهم رسولا واثنين وثلاثة وأربعة. ولم يهتدوا، بل كلما عصوا الله واستعصت داءاتهم أرسل لهم رسولا، مثلهم في ذلك كمثل المريض الذي لا يضن عليه عائله بطبيب أو بطبيبين أو ثلاثة أو أربعة، بل كلما لاحظ عائله شيئا فإنه يرسل له طبيبًا. وفي ذلك امتنان؛ لأن الله أرسل إليهم كثيرًا من الرسل. وكان عليهم أن يعلموا أن داءاتهم قد كثرت وصار مرضهم مستعصيا؛ لأنه لو لم يكن المرض مستعصيا؛ لما كانوا في حاجة إلى هذه الكثرة من الأطباء والأنبياء، ومع ذلك رحمهم الله وكلما زاد داؤهم أرسل لهم نبيا.
ولم يكتف الحق بأن جعل فيهم أنبياء؛ بل قال: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} وليس معنى ذلك أنهم كلهم صاروا ملوكًا؛ ولكن كان منهم الملوك. «والملك» كلمة أخذت اصطلاحًا سياسيًا، فكل إنسان مالك ما في حوزته؛ مالك لثوبه، أو مالك اللقمة التي أكلها، أو مالك البيت الذي ينام فيه، لكن المَلِك هو الذي يملك وَيمْلِك مَن مَلك.
إذن فكل واحد عنده القدرة أن يملك شيئًا ويملك مَن مَلَك يكون مَلِكًا، فرجل عنده رُعيان يقومون برعي القطعان من الماشية التي يملكها، وعنده أناس يخدمون في المنزل وأناس يعملون في المزرعة، وعنده أكثر من سائق، وعنده أناس كثيرون يأتمرون بأمره ولا يدخلون عليه إلا بإذنه ولا يتكلف في لقائهم أي حرج أو مشقة، هذا الرجل لابد أن يكون ملكًا. إذن فقد أعطاهم الحق نعمة وفيرة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يحدد الملكية الواسعة التي تحدد الفرد تحديدًا إيمانيًا فقال: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافىً في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
ومادام قد حيزت له الدنيا بحذافيرها بهذه الأشياء فهو ملك. وقد أعطاهم هذه المسائل أي جعلهم ملوكًا. {وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن العالمين} أي أنه سبحانه أعطاهم ما لم يعده لأحد مِمَّن حولهم؛ ووالى عليهم ذلك العطاء، ألم يعط سبحانه نبي الله سيدنا سليمان وهو من بني إسرائيل مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده؟ تلك الواقعة لم يقلها موسى عليه السلام لأنها حدثت من بعد موسى بأحد عشر جيلًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}.
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا} قال: واسم الله قد جعل نبيًا وجعلكم ملوكًا على رقاب الناس، فاشكروا نعمة الله إن الله يحب الشاكرين.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا} قال: كنا نحدث أنهم أول من سخَّر لهم الخدم من بني آدم وملكوا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال: ملَّكهم الخدم، وكانوا أول من ملك الخدم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال: كان الرجل من بني إسرائيل، إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكًا.